الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل
صفحة 1 من اصل 1
الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل
الحمد لله
وبعد
يستدل الأستاذ مصطفى بحديث عائشة رضى الله عنها
قال الإمام البخاري حدثنا عبيد بن اسماعيل قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت
: دخل أبو بكر وعندي جاريتين من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا )
وهذا الحديث .. حجة للمانعين
وبيان ذلك أن يقال
لو لا علم أبي بكر بذلك وكونه على بينة من الأمر ما كان له أن يتقدم بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم وفي بيته بمثل هذا الإنكار الشديد غير أنه كان خافيا عليه أن هذا
الذي أنكره يجوز في يوم عيد فبينه له النبي صلى الله عليه و سلم بقوله
دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " فبقي إنكار أبي بكر العام مسلما به لإقراره صلى الله عليه و سلم إياه ولكنه استثنى منه الغناء في العيد فهو مباح بالمواصفات الواردة في هذا الحديث "
وإلا فمن أين عرف أبو بكر حرمة ذلك .. ومن أين له أن يسميه مزمار الشيطان
فالوحى ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم لا على أبو بكر
فإنكار أبو بكر كان لسابق علمه بحرمة ذلك ...
فأوضح له النبي صلى الله عليه و سلم الحال وعرفه الحكم مقرونا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد أي يوم سرور شرعى فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الاعراس
ومن الواضح جدا لكل ناظر في هذا الحديث أنه ليس فيه الإباحة المطلقة التي ادعاها كيف وهي تشمل مع الجواري الصغار - النساء الكبار بل والرجال أيضا كما تشمل كل آلات الطرب وكل أيام السنة - وهذا خطأ واضح جدا فيه تحميل للحديث ما لا يحتمل
وأما أنه صلى الله عليه و سلم لم ينكر على الجاريتين - فحق ولكن كان ذلك في يوم عيد فلا يشمل غيره
هذا أولا
وثانيا : لما أمر صلى الله عليه و سلم أبا بكر بأن لا ينكر عليهما بقوله :
دعهما " أتبع ذلك بقوله : " فإن لكل قوم عيدا . . . " فهذه جملة تعليلية تدل على أن علة الإباحة هي العيدية - إذا صح التعبير - ومن المعلوم أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما فإذا انتفت هذه العلة بأن لم يكن يوم عيد لم يبح الغناء فيه كما هو ظاهر
أقوال العلماء فى الحديث
1 - قال أبو الطيب الطبري ( ت 450 ) :
هذا الحديث حجتنا لأن أبا بكر سمى ذلك مزمور الشيطان ولم ينكر النبي صلى الله عليه و سلم على أبي بكر قوله وإنما منعه من التغليظ في الإنكار لحسن رفقته لا سيما في يوم العيد وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء وقد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه وقد أخذ العلم عنها
نقلته من كتاب ابن الجوزي ( 1 / 253 - 254 )
2 - قال ابن تيمية في رسالة " السماع والرقص " ( 2 / 285 - مجموعة الرسائل الكبرى ) :
ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه
الاجتماع عليه ولهذا سماه الصديق أبو بكر رضي الله عنه
مزمور الشيطان " والنبي صلى الله عليه و سلم أقر الجواري عليه معللا ذلك بأنه يوم عيد والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد كما جاء في الحديث :
ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة
وكما كان يكون لعائشة لعب تلعب بهن وتجيء صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها "
3 - وقال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " ( 1 / 257 ) :
فلم ينكر صلى الله عليه و سلم على أبي بكر تسميته الغناء ( مزمار الشيطان ) وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب وكان اليوم يوم عيد
"مستفاد من تحريم ألات الطرب للعلامة الألبانى رحمه الله "
ثم شرع الأأستاذ مصطفى بعد ذلك يطعن فى الإجماع المنقول عن أهل العلم
والجواب :
أن من المعلوم عند أهل العلم ، أن الخلاف المتأخر لا ينقض الإجماع المتقدم ، وإلا لو كان الأمر كذلك لما بقي إجماع على وجه الأرض ، لأنه لا يحصى المخالف للإجماع في المتأخرين ، وهاهم أهل السنة والجماعة لا يزالون يذْكُرُون إجماع السلف ويحتجون به ، مع مخالفة من خالف من أهل البدع بعد انعقاد الإجماع .
ولاشك أن ابن حزم وغيره ممن تأخر إذا خالف الإجماع المنعقد قبله لا ينظر إليه .
قال ابن تيمية - رحمه الله - : وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً ، لأن كثيراً من أصول المتأخرين مبتدع في الإسلام ، مسبوق بإجماع السلف على خلافه ، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً .ا.هـ [ الفتاوى 13/26] .
وهذه المسألة التي نحن فيها - أي مسألة المعازف - من هذا القبيل إذ لم يخالف فيها إلا من تأخر وشذ من الظاهرية كابن حزم ، والصوفية .
قال ابن رجب - رحمه الله - : سماع آلات الملاهي ، لا يعرف عن أحد ممن سلف الرخصة فيه ، وإنما يعرف ذلك عن بعض المتأخرين من الظاهرية والصوفية ممن لا يعتد به .ا.هـ [ نزهة الأسماع 69] .
وقال ابن كثير - رحمه الله -: قد نقل غير واحد من الأئمة إجماع العلماء على تحريم اجتماع الدفوف والشبابات ، ومن الناس من حكى في ذلك خلافاً شاذاً .ا.هـ [جواب لابن كثير ملحق بكتاب على مسألة السماع لابن القيم 472 ]
فها أنت ترى أن ابن رجب وابن كثير علموا بالخلاف الحادث بعد الإجماع ولم يأبهوا به ، ولم يلتفتوا إليه ، إذ إنه لا يعتد به . وسموه خلافاً شاذاً .
ولذا قال ابن تيمية : وأهل الظاهر [ يعني الظاهرية أتباع ابن حزم ] كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ .ا.هـ [ منهاج السنة 5/178 ] .
وقد نقل جمع كبير من الأئمة ، إجماع السلف على تحريم المعازف ، ومنهم الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد .
فيالله العجب من أناس شغبوا وشوشوا على أذهان المسلمين في هذه القضية التي لا ينبغي لمسلم أن يخوض فيها بعد علمه بإجماع السلف عليها ، لأنه بذلك قد عرض نفسه لوعيد الله سبحانه في قوله : [ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً] [النساء:115] .
ولا يزال العلماء على مرِّ العصور ينقلون إجماع السلف والخلف على تحريم الغناء وآلات اللهو والطرب، فمن نظر إلى العلماء في كل قرن وجد أنهم يتتابعون على نقل الإجماع مقرين له.
ولا أعلم قرناً من القرون خلا من عالمٍ ينقل إجماع العلماء على تحريم الغناء والمعازف.
ولذلك قد نقله زكريا بن يحي الساجي في كتابه "اختلاف العلماء" في القرن الثالث إذ جل حياته فيه
.ونقله الآجري رحمه الله في القرن الرابع.
ونقله أبو الطيب الطبري وابن عبد البر في القرن الخامس.
ونقله ابن قدامة وأبو القاسم الدولعي الشامي الشافعي في القرن السادس.
ونقله ابن الصلاح والقرطبي والعز بن عبد السلام في القرن السابع.
ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية والسبكي وابن رجب وابن القيم وابن مفلح وغيرهم في القرن الثامن.
ونقله العراقي والبزازي الحنفي في القرن التاسع.
ونقله ابن حجر الهيتمي في القرن العاشر.
ونقله الآلوسي وأحمد الطحطاوي في القرن الثالث عشر.
ونقله الغماري في القرن الرابع عشر.
ولا يزال العلماء على شتى مذاهبهم؛ من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة مطبقين على تحريم الغناء والمعازف.
ولذلك فمن نظر إلى من حكى الإجماع وجد اختلاف بلدانهم، وتباين مذاهبهم.
فمن المالكية: ابن عبد البر في " التمهيد "، والقرطبي في " تفسيره "، وابن القطان الفاسي في كتابه " الإقناع في مسائل الإجماع ".
ومن الشافعية: جماعة وخلق كثير كابن الصلاح، والعز بن عبد السلام، وابن حجر الهيتمي، والعراقي، والطرطوسي وغيرهم.
ومن الحنابلة": ابن قدامة، وابن رجب، وابن تيمية، وابن القيم، وابن مفلح، وغيرهم.
ومن الحنفية: الفقيه الحنفي محمد البزازي في "المناقب"، وزين الدين الكرماني، وشيخ الحنفية أحمد الطحطاوي في مصر في "حاشيته على مراقي الفلاح".
وكذلك أئمة المذاهب بأنفسهم: قد نصوا على التحريم، وحكى الإجماع من أهل المذاهب على اختلاف بلدانهم.
* فابن عبد البر والقرطبي في الأندلس.
* وابن القطان الفاسي والغماري في المغرب .
* وابن قدامة وابن الحنبلي وابن تيمية والعز بن عبد السلام وابن رجب وابن القيم في الشام .
* وابن حجر الهيثمي والطحطاوي الحنفي في مصر .
* والعراقي والآلوسي في العراق.
* وفي بلاد الترك والبلغار: الفقيه الحنفي محمد البزازي الكردي، في "الفتاوى البزازية" . وغيرهم خلق كثير على اختلاف بلدانهم .
ومن حكى خلافاً في هذه المسألة فقد غلب عليه هواه.
يقول ابن حجر الهيتمي: في كتابه " كف الرعاع " : ( ومن حكى خلافاً في الغناء فإنه قد وهِمَ وغَلِط ، وغلب عليه هواه حتى أصمّه وأعماه ) .
ومن نظر إلى الأئمة الأربعة وجد نصوصهم متضافرة على تحريم الغناء بالنص.
فالإمام مالك: قد روى الإمام أحمد في كتاب " العلل " والخلال في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " من حديث إسحاق بن عيسى الطبّاع، قال: ( سألت مالكاً عن سماع الغناء ؟ فقال: إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) .
وأما الإمام أحمد: فقد نقل عنه ابنه عبد الله في كتابه " المسائل " قال: ( سألت أبي عن الغناء ؟ فقال: ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني )، ثم نقل قول الإمام مالك رحمه الله: ( إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) .
قال أبو حنيفة رحمه الله: ( وأما الغناء فهو محرّم عند سائر الأديان). ورد شهادة المغنّي الأئمةُ من أتباع مذهبهِ.
وأما الإمام الشافعي- رحمه الله- فقال: الغناء لهوٌ مكروه، ويشبه الباطل والمحال، وقد نص في كتابه " أدب القضاء " وكذلك في كتابه " الأم " على أن المغنّي ترد شهادته.
وأعْجَبُ مِنْ قول من يقول: إن رد الشافعي لشهادة المغني مع قوله" لهو مكروه يشبه الباطل" ليس بصريح في التحريم. وإن قول الإمام مالك: ( إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) ليس بصريح في التحريم.
وإن قول الإمام أحمد: ( ينبت النفاق في القلب ) ليس بصريح بالتحريم!! فأي تحريم يثبت في الشرع عنهم حينئذٍ إن لم يكن هذا القول صريحاً بالتحريم ؟؟
وإن كنا نعلم بل نتيقن أن أقوال الأئمة من الأئمة الأربعة وغيرهم ليست نصوصاً من الوحي، وأن كلامهم ليس بحجه، وأنه بحاجة إلى أن يحتج له لا أن يحتج به، ولكن تساق أقوال الأئمة- رحمهم الله- ليُعْلم الإجماع والإطباق، فإن الإجماع معتبر،ولا يكون إلا على نص.
ونقل تكفير من أباح الغناء عن أئمة من ثلاثة مذاهب متبوعة.
قال بعض أصحاب أبي حنيفة : ( سماع الغناء فسق، والتلذذ به كفر)، والتصريح بكفر مستحل الغناء قال به من الحنفية: حافظ الدين الفقيه محمد البزازي في "الفتاوى البزازية"، وزين الدين الكرماني.
قال البزازي في "فتاويه": ولما عُلِمَ أنّ حرمَتَهُ بالإجماع لزم أن يكفّر مُسْتَحِلَّه .
وقال به القاضي عياض المالكي،بل حكى الإجماع على كفر مستحله.
وحكاه ابن الحنبلي، كما نقله ابن رجب- رحمه الله- في كتابه " ذيل طبقات الحنابلة " عن ابن قدامه.
وإن كان هذا القول ليس على الصواب، بل أن فيه تشدداً، وذلك أن الكفر بعيد، وإنما هو هوى وجرمٌ وذنبٌ، وقد عدّه غير واحد من الأئمة من كبائر الذنوب كابن النحّاس في كتابه " تنبيه الغافلين "، وابن حجر الهيتمي في كتابه " الزواجر " عدّوا سماع الغناء من الكبائر .
ولا أعلم مسألة عدّها العلماء من الكبائر، ونٌقِل الإجماع فيها، فتكون مباحة على قول معتبر.
ومن نظر إلى كلام بعض المتأخرين ممن يتكلم على مسائل الغناء، وكذلك المعازف من الموسيقى وغيرها، ويستدل على إباحتها بما جاء عن بعض الأئمة من السلف أنهم كانوا يستمعون للغناء ونحو ذلك مما ورد عن أهل المدينة، فإنه قد اشتهر عنهم السماع، فالمراد بالسماع هو: الحداء والألحان والأناشيد، وليس المراد بذلك المعازف إطلاقاً.
ويقول الأستاذ مصطفى (أن علماء المدينة كانوا يحبون السماع ) هكذا بإطلاق
الجواب
أرادوا السماع الذي قد أطبق عليه الناس الآن في وقتنا عامّة، من المبالغة بسماع الحداء والأناشيد وغيرها.
وقد سُئِل الإمام مالك- رحمه الله- عن الغناء فقال: ( إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) .
وسُئِل الإمام الشافعي- رحمه الله-: حيث سأله يونس ، فقال: سألت الشافعي عن السماع الذي أراده أهل المدينة ؟
فقال الشافعي - وهذا نقل نفيس عنه - : ( لا أعلم أحداً من أهل المدينة كره السماع إلا ما كان على الأوصاف، وأما ما كان من إنشاد الشعر والحداء وذكر المرابع، فإنه مباح) ، إذاً المراد بذلك كلّه لا يخرج عن الكلام الملحّن.
ويوهم كثير من النقلة أن المراد بالسماع عند أهل المدينة هو المعازف وآلات الطرب، وهذا جهل شنيع ، فما قال بذلك أحدٌ معتبر.
بل قال ابن حجر الهيتمي في كتابه " كف الرعاع ": ( لم يحفظ عن أحد ولم يرو عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من الأئمة المجتهدين من قال بإباحة المعازف) .
وقد لبس - أولُبِّس على - كثير ممن صنّف في إباحة اللهو والغناء حيث أدخلوا عن هوى أو شبهة مسألة المعازف والموسيقى فيها، ولا علاقة لها فيه.
وقد نظرت في المصنفات التي صنّفت في هذا الباب، فرأيت أن من ذكر الموسيقى فيها لا دليل في كتابه كلّه على شيء من ذلك، وأنه يستدل ببعض الألفاظ التي جاء فيها ذِكر الغناء ، وذلك لا يعدو كونه شعراً وحداءً، ومن نظر إلى أشعار العرب وكتب اللغة وجد ذلك ظاهراً."مستفاد من حكم الغناء للشيخ الطريفي"
أما فرحه برسالة الشوكانى رحمه الله ... فليتك تقلده
فهو من القائلين بالحرمة ... ولكن لما كان منهجك قائم على الإنتقاء بالهوى والتشهي
قلدته فقط فى الطعن على الإجماع ولم تقلده فى القول بالحرمة ... فليتأمل المحبون
أعلم هداك الله .. أن الشوكانى ليس قاضيا على من ذكرت لك من أهل العلم
وليس هو بأعلم ممن نقلوا الإجماع ... فلو كان الخلاف معتبر لما نقل الإجماع هذه الثلة من العلماء والأئمة الأثبات
والأمر كما قال بن تيمية رحمه الله
وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً ، لأن كثيراً من أصول المتأخرين مبتدع في الإسلام ، مسبوق بإجماع السلف على خلافه ، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً .ا.هـ [ الفتاوى 13/26]
وكما قال بن حجر الهيتمى
( ومن حكى خلافاً في الغناء فإنه قد وهِمَ وغَلِط ، وغلب عليه هواه حتى أصمّه وأعماه ) .
أما الأثار التى تنقلها عن السلف فى إباحة هذا المحرم
فلا يصح منها شىء ... ولا يلزمنا منها شىء
وكما ترى ويرى الجميع .. أنت تنقلها بلا خطام وزمام
أين سند كل هذه الأثار يا جهبذ عصرك
وسل أيضا منقوشك أين سند هذه الروايات
بل إرجع إلى من تنقل عنهم من الظاهرية والصوفية ... هل ترى عندهم سند لهذه المرويات ؟
ولو كان الكلام بمجرد الإدعاء .. لقال من شاء ما يشاء
وأزيدك
لو صحت "ودون ذلك خرط القتاد" لا حجة لك ولا لغيرك فيها
فالدين قال الله تعالى قال الرسول صلى الله عليه وسلم
وليس أراء الرجال
شبهة
قالوا : إنه يكفي العامي أن يقلد أحد العلماء في مسائل الشريعة وابن حزم من العلماء ، فلو قلده في مسألة المعازف فلا لوم عليه .
والجواب : أن الله سبحانه وتعالي أمرنا إذا وقع النزاع في مسألة شرعية أن نردها إلى الكتاب والسنة ، قال سبحانه : [ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً][النساء:59] فإن كان المكلف لا يستطيع فهم الأدلة ، وجبَ عليه سؤال أهل العلم لقوله سبحانه: [ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ][النحل:43] فإذا وقع الخلاف بين أهل العلم وجب على المكلف إتباع أعلمهم .
قال الشاطبي - رحمه الله - : العامي جاهل بمواقع الاجتهاد فلا بد له ممن يرشده إلى من هو أقرب إلى الحق ، من هذين العالمين المختَلِفَين ، وذلك إنما يكون بترجيح أحدهما على الآخر بالأعلمية والأفضلية ، لأن الأعلمية تُغلب ظن العامي أن صاحبها أقرب للصواب .ا.هـ [ الاعتصام 2/861/بتصرف يسير ].
ومعنى كلامه : أنه يجب على العامي أن يتبع قول الأعلم من العلماء المختلفين .
وبنحوه قال الخطيب البغدادي حيث قال : إن كان العامي يتسع عقله ويكمل فهمه إذا عُقل أن يعقل ، وإذا فُهم أن يفهم ، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم ، وعن حججهم ، فيأخذ بأرجحها عنده ، فإذا كان عقله يقصر عن هذا ، وفهمه لا يكمل له ، وسعه التقليد لأفضلهما عنده .ا.هـ .
وإنما تكون الأفضلية بالعلم ، وإلا لو جاز للإنسان أن يتبع في كل مسألة من شاء من العلماء ، لاجتمع فيه الشر كله ، لأن زلات العلماء كثيرة ، فمن تتبعها اجتمع فيه دين جديد غير دين الله الذي أنزله لعباده وارتضاه لهم .
وقد نقل ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله الإجماع على المنع من تتبع الرخص والأخذ بما يوافق الهوى والغرض من أقوال العلماء .
وقال ابن القيم : وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتحيز وموافقة الغرض ، فيطلب القول الذي يوافق غرضه فهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر والله المستعان .[ اعلام الموقعين 4/211].
إذا علم ذلك - أعني وجوب الأخذ بقول الأعلم من العلماء - فما الظن يا ترى ؟؟! أصَحَابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان والأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الإسلام الذين يقولون بتحريم المعازف أعلم ؟!
أم ابن حزم وغيره ممن قال بجواز المعازف ؟! اترك الإجابة للقارئ ليتبع بعد ذلك الأعلم من الفريقين .
هامش على الرد الجميل
بيان مخالفة الأستاذ مصطفى للفريقين (المانعين والمجوزين)
أما مخالفته للمانعين فظاهرة
وأما مخالفته للمجوزين
فمنها
1ـ مخالفته لابن حزم (متولى كبر هذا الأمر) عفا الله عنه
فقد قال بن حزم فى المحلي ما نصه
(بعدما ذكر حديث البخاري وحكم عليه بالإنقطاع
(وَوَاللَّهِ لَوْ أُسْنِدَ جَمِيعُهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُ فَأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الأَخْذِ بِهِ.)
ولازم قول بن حزم الذى ألزم به نفسه أن لو صح الحديث لقلت به
ومقولة بن حزم تشبه المقولة التى أطبق عليها الأئمة الأربعة
(إذا صح الحديث فهو مذهبي)
فالحديث عنده .. حجة قاطعة لا تبقى ولا تذر من أراء الرجال شئيا
أما أنت ... فقد تبين لك صحة الحديث وصرحت بذلك مرارا
ولكنك سلكت سبيل لم يسلكه أحد قبلك ... وهو أن الحديث ليس بصريح ... من أين جئت بها ؟ ومن أنت لتحكم على الحديث ؟
2ـ مخالفته للإمام الشوكانى (قائل بالحرمة طاعن فى الإجماع)
لما قلدته فى الطعن بالإجماع ولم تقلده فى القول بالحرمة ؟
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْل ، وَقَدْ أُشْبِعَ الْكَلَام فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي ذَلِكَ الْكِتَاب إِشْبَاعًا حَسَنًا وَقَالَ فِي آخِر كَلَامه : وَإِذَا تَقَرَّرَ جَمِيع مَا حَرَّرْنَاهُ مِنْ حُجَج الْفَرِيقَيْنِ فَلَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِر أَنَّ مَحَلّ النِّزَاع إِذَا خَرَجَ عَنْ دَائِرَة الْحَرَام لَمْ يَخْرُج عَنْ دَائِرَة الِاشْتِبَاه ، وَالْمُؤْمِنُونَ وَقَّافُونَ عِنْد الشُّبُهَات كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيث الصَّحِيح ، وَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ اِسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينه ، وَمَنْ حَامَ حَوْل الْحِمَى يُوشِك أَنْ يَقَع فِيهِ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى ذِكْر الْقُدُود وَالْخُدُود وَالْجَمَال وَالدَّلَّال وَالْهَجْر وَالْوِصَال فَإِنَّ سَامِع مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ بَلِيَّة وَإِنْ كَانَ مِنْ التَّصَلُّب فِي ذَات اللَّه عَلَى حَدٍّ يَقْصُر عَنْهُ الْوَصْف . وَكَمْ لِهَذِهِ الْوَسِيلَة الشَّيْطَانِيَّة مِنْ قَتِيل دَمه مَطْلُول وَأَسِير بِهُمُومِ غَرَامه وَهُيَامه مَكْبُول نَسْأَل اللَّه السَّدَاد وَالثَّبَات .
والحمد لله
وبعد
يستدل الأستاذ مصطفى بحديث عائشة رضى الله عنها
قال الإمام البخاري حدثنا عبيد بن اسماعيل قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت
: دخل أبو بكر وعندي جاريتين من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا )
وهذا الحديث .. حجة للمانعين
وبيان ذلك أن يقال
لو لا علم أبي بكر بذلك وكونه على بينة من الأمر ما كان له أن يتقدم بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم وفي بيته بمثل هذا الإنكار الشديد غير أنه كان خافيا عليه أن هذا
الذي أنكره يجوز في يوم عيد فبينه له النبي صلى الله عليه و سلم بقوله
دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " فبقي إنكار أبي بكر العام مسلما به لإقراره صلى الله عليه و سلم إياه ولكنه استثنى منه الغناء في العيد فهو مباح بالمواصفات الواردة في هذا الحديث "
وإلا فمن أين عرف أبو بكر حرمة ذلك .. ومن أين له أن يسميه مزمار الشيطان
فالوحى ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم لا على أبو بكر
فإنكار أبو بكر كان لسابق علمه بحرمة ذلك ...
فأوضح له النبي صلى الله عليه و سلم الحال وعرفه الحكم مقرونا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد أي يوم سرور شرعى فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الاعراس
ومن الواضح جدا لكل ناظر في هذا الحديث أنه ليس فيه الإباحة المطلقة التي ادعاها كيف وهي تشمل مع الجواري الصغار - النساء الكبار بل والرجال أيضا كما تشمل كل آلات الطرب وكل أيام السنة - وهذا خطأ واضح جدا فيه تحميل للحديث ما لا يحتمل
وأما أنه صلى الله عليه و سلم لم ينكر على الجاريتين - فحق ولكن كان ذلك في يوم عيد فلا يشمل غيره
هذا أولا
وثانيا : لما أمر صلى الله عليه و سلم أبا بكر بأن لا ينكر عليهما بقوله :
دعهما " أتبع ذلك بقوله : " فإن لكل قوم عيدا . . . " فهذه جملة تعليلية تدل على أن علة الإباحة هي العيدية - إذا صح التعبير - ومن المعلوم أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما فإذا انتفت هذه العلة بأن لم يكن يوم عيد لم يبح الغناء فيه كما هو ظاهر
أقوال العلماء فى الحديث
1 - قال أبو الطيب الطبري ( ت 450 ) :
هذا الحديث حجتنا لأن أبا بكر سمى ذلك مزمور الشيطان ولم ينكر النبي صلى الله عليه و سلم على أبي بكر قوله وإنما منعه من التغليظ في الإنكار لحسن رفقته لا سيما في يوم العيد وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء وقد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه وقد أخذ العلم عنها
نقلته من كتاب ابن الجوزي ( 1 / 253 - 254 )
2 - قال ابن تيمية في رسالة " السماع والرقص " ( 2 / 285 - مجموعة الرسائل الكبرى ) :
ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه
الاجتماع عليه ولهذا سماه الصديق أبو بكر رضي الله عنه
مزمور الشيطان " والنبي صلى الله عليه و سلم أقر الجواري عليه معللا ذلك بأنه يوم عيد والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد كما جاء في الحديث :
ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة
وكما كان يكون لعائشة لعب تلعب بهن وتجيء صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها "
3 - وقال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " ( 1 / 257 ) :
فلم ينكر صلى الله عليه و سلم على أبي بكر تسميته الغناء ( مزمار الشيطان ) وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب وكان اليوم يوم عيد
"مستفاد من تحريم ألات الطرب للعلامة الألبانى رحمه الله "
ثم شرع الأأستاذ مصطفى بعد ذلك يطعن فى الإجماع المنقول عن أهل العلم
والجواب :
أن من المعلوم عند أهل العلم ، أن الخلاف المتأخر لا ينقض الإجماع المتقدم ، وإلا لو كان الأمر كذلك لما بقي إجماع على وجه الأرض ، لأنه لا يحصى المخالف للإجماع في المتأخرين ، وهاهم أهل السنة والجماعة لا يزالون يذْكُرُون إجماع السلف ويحتجون به ، مع مخالفة من خالف من أهل البدع بعد انعقاد الإجماع .
ولاشك أن ابن حزم وغيره ممن تأخر إذا خالف الإجماع المنعقد قبله لا ينظر إليه .
قال ابن تيمية - رحمه الله - : وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً ، لأن كثيراً من أصول المتأخرين مبتدع في الإسلام ، مسبوق بإجماع السلف على خلافه ، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً .ا.هـ [ الفتاوى 13/26] .
وهذه المسألة التي نحن فيها - أي مسألة المعازف - من هذا القبيل إذ لم يخالف فيها إلا من تأخر وشذ من الظاهرية كابن حزم ، والصوفية .
قال ابن رجب - رحمه الله - : سماع آلات الملاهي ، لا يعرف عن أحد ممن سلف الرخصة فيه ، وإنما يعرف ذلك عن بعض المتأخرين من الظاهرية والصوفية ممن لا يعتد به .ا.هـ [ نزهة الأسماع 69] .
وقال ابن كثير - رحمه الله -: قد نقل غير واحد من الأئمة إجماع العلماء على تحريم اجتماع الدفوف والشبابات ، ومن الناس من حكى في ذلك خلافاً شاذاً .ا.هـ [جواب لابن كثير ملحق بكتاب على مسألة السماع لابن القيم 472 ]
فها أنت ترى أن ابن رجب وابن كثير علموا بالخلاف الحادث بعد الإجماع ولم يأبهوا به ، ولم يلتفتوا إليه ، إذ إنه لا يعتد به . وسموه خلافاً شاذاً .
ولذا قال ابن تيمية : وأهل الظاهر [ يعني الظاهرية أتباع ابن حزم ] كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ .ا.هـ [ منهاج السنة 5/178 ] .
وقد نقل جمع كبير من الأئمة ، إجماع السلف على تحريم المعازف ، ومنهم الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد .
فيالله العجب من أناس شغبوا وشوشوا على أذهان المسلمين في هذه القضية التي لا ينبغي لمسلم أن يخوض فيها بعد علمه بإجماع السلف عليها ، لأنه بذلك قد عرض نفسه لوعيد الله سبحانه في قوله : [ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً] [النساء:115] .
ولا يزال العلماء على مرِّ العصور ينقلون إجماع السلف والخلف على تحريم الغناء وآلات اللهو والطرب، فمن نظر إلى العلماء في كل قرن وجد أنهم يتتابعون على نقل الإجماع مقرين له.
ولا أعلم قرناً من القرون خلا من عالمٍ ينقل إجماع العلماء على تحريم الغناء والمعازف.
ولذلك قد نقله زكريا بن يحي الساجي في كتابه "اختلاف العلماء" في القرن الثالث إذ جل حياته فيه
.ونقله الآجري رحمه الله في القرن الرابع.
ونقله أبو الطيب الطبري وابن عبد البر في القرن الخامس.
ونقله ابن قدامة وأبو القاسم الدولعي الشامي الشافعي في القرن السادس.
ونقله ابن الصلاح والقرطبي والعز بن عبد السلام في القرن السابع.
ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية والسبكي وابن رجب وابن القيم وابن مفلح وغيرهم في القرن الثامن.
ونقله العراقي والبزازي الحنفي في القرن التاسع.
ونقله ابن حجر الهيتمي في القرن العاشر.
ونقله الآلوسي وأحمد الطحطاوي في القرن الثالث عشر.
ونقله الغماري في القرن الرابع عشر.
ولا يزال العلماء على شتى مذاهبهم؛ من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة مطبقين على تحريم الغناء والمعازف.
ولذلك فمن نظر إلى من حكى الإجماع وجد اختلاف بلدانهم، وتباين مذاهبهم.
فمن المالكية: ابن عبد البر في " التمهيد "، والقرطبي في " تفسيره "، وابن القطان الفاسي في كتابه " الإقناع في مسائل الإجماع ".
ومن الشافعية: جماعة وخلق كثير كابن الصلاح، والعز بن عبد السلام، وابن حجر الهيتمي، والعراقي، والطرطوسي وغيرهم.
ومن الحنابلة": ابن قدامة، وابن رجب، وابن تيمية، وابن القيم، وابن مفلح، وغيرهم.
ومن الحنفية: الفقيه الحنفي محمد البزازي في "المناقب"، وزين الدين الكرماني، وشيخ الحنفية أحمد الطحطاوي في مصر في "حاشيته على مراقي الفلاح".
وكذلك أئمة المذاهب بأنفسهم: قد نصوا على التحريم، وحكى الإجماع من أهل المذاهب على اختلاف بلدانهم.
* فابن عبد البر والقرطبي في الأندلس.
* وابن القطان الفاسي والغماري في المغرب .
* وابن قدامة وابن الحنبلي وابن تيمية والعز بن عبد السلام وابن رجب وابن القيم في الشام .
* وابن حجر الهيثمي والطحطاوي الحنفي في مصر .
* والعراقي والآلوسي في العراق.
* وفي بلاد الترك والبلغار: الفقيه الحنفي محمد البزازي الكردي، في "الفتاوى البزازية" . وغيرهم خلق كثير على اختلاف بلدانهم .
ومن حكى خلافاً في هذه المسألة فقد غلب عليه هواه.
يقول ابن حجر الهيتمي: في كتابه " كف الرعاع " : ( ومن حكى خلافاً في الغناء فإنه قد وهِمَ وغَلِط ، وغلب عليه هواه حتى أصمّه وأعماه ) .
ومن نظر إلى الأئمة الأربعة وجد نصوصهم متضافرة على تحريم الغناء بالنص.
فالإمام مالك: قد روى الإمام أحمد في كتاب " العلل " والخلال في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " من حديث إسحاق بن عيسى الطبّاع، قال: ( سألت مالكاً عن سماع الغناء ؟ فقال: إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) .
وأما الإمام أحمد: فقد نقل عنه ابنه عبد الله في كتابه " المسائل " قال: ( سألت أبي عن الغناء ؟ فقال: ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني )، ثم نقل قول الإمام مالك رحمه الله: ( إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) .
قال أبو حنيفة رحمه الله: ( وأما الغناء فهو محرّم عند سائر الأديان). ورد شهادة المغنّي الأئمةُ من أتباع مذهبهِ.
وأما الإمام الشافعي- رحمه الله- فقال: الغناء لهوٌ مكروه، ويشبه الباطل والمحال، وقد نص في كتابه " أدب القضاء " وكذلك في كتابه " الأم " على أن المغنّي ترد شهادته.
وأعْجَبُ مِنْ قول من يقول: إن رد الشافعي لشهادة المغني مع قوله" لهو مكروه يشبه الباطل" ليس بصريح في التحريم. وإن قول الإمام مالك: ( إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) ليس بصريح في التحريم.
وإن قول الإمام أحمد: ( ينبت النفاق في القلب ) ليس بصريح بالتحريم!! فأي تحريم يثبت في الشرع عنهم حينئذٍ إن لم يكن هذا القول صريحاً بالتحريم ؟؟
وإن كنا نعلم بل نتيقن أن أقوال الأئمة من الأئمة الأربعة وغيرهم ليست نصوصاً من الوحي، وأن كلامهم ليس بحجه، وأنه بحاجة إلى أن يحتج له لا أن يحتج به، ولكن تساق أقوال الأئمة- رحمهم الله- ليُعْلم الإجماع والإطباق، فإن الإجماع معتبر،ولا يكون إلا على نص.
ونقل تكفير من أباح الغناء عن أئمة من ثلاثة مذاهب متبوعة.
قال بعض أصحاب أبي حنيفة : ( سماع الغناء فسق، والتلذذ به كفر)، والتصريح بكفر مستحل الغناء قال به من الحنفية: حافظ الدين الفقيه محمد البزازي في "الفتاوى البزازية"، وزين الدين الكرماني.
قال البزازي في "فتاويه": ولما عُلِمَ أنّ حرمَتَهُ بالإجماع لزم أن يكفّر مُسْتَحِلَّه .
وقال به القاضي عياض المالكي،بل حكى الإجماع على كفر مستحله.
وحكاه ابن الحنبلي، كما نقله ابن رجب- رحمه الله- في كتابه " ذيل طبقات الحنابلة " عن ابن قدامه.
وإن كان هذا القول ليس على الصواب، بل أن فيه تشدداً، وذلك أن الكفر بعيد، وإنما هو هوى وجرمٌ وذنبٌ، وقد عدّه غير واحد من الأئمة من كبائر الذنوب كابن النحّاس في كتابه " تنبيه الغافلين "، وابن حجر الهيتمي في كتابه " الزواجر " عدّوا سماع الغناء من الكبائر .
ولا أعلم مسألة عدّها العلماء من الكبائر، ونٌقِل الإجماع فيها، فتكون مباحة على قول معتبر.
ومن نظر إلى كلام بعض المتأخرين ممن يتكلم على مسائل الغناء، وكذلك المعازف من الموسيقى وغيرها، ويستدل على إباحتها بما جاء عن بعض الأئمة من السلف أنهم كانوا يستمعون للغناء ونحو ذلك مما ورد عن أهل المدينة، فإنه قد اشتهر عنهم السماع، فالمراد بالسماع هو: الحداء والألحان والأناشيد، وليس المراد بذلك المعازف إطلاقاً.
ويقول الأستاذ مصطفى (أن علماء المدينة كانوا يحبون السماع ) هكذا بإطلاق
الجواب
أرادوا السماع الذي قد أطبق عليه الناس الآن في وقتنا عامّة، من المبالغة بسماع الحداء والأناشيد وغيرها.
وقد سُئِل الإمام مالك- رحمه الله- عن الغناء فقال: ( إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) .
وسُئِل الإمام الشافعي- رحمه الله-: حيث سأله يونس ، فقال: سألت الشافعي عن السماع الذي أراده أهل المدينة ؟
فقال الشافعي - وهذا نقل نفيس عنه - : ( لا أعلم أحداً من أهل المدينة كره السماع إلا ما كان على الأوصاف، وأما ما كان من إنشاد الشعر والحداء وذكر المرابع، فإنه مباح) ، إذاً المراد بذلك كلّه لا يخرج عن الكلام الملحّن.
ويوهم كثير من النقلة أن المراد بالسماع عند أهل المدينة هو المعازف وآلات الطرب، وهذا جهل شنيع ، فما قال بذلك أحدٌ معتبر.
بل قال ابن حجر الهيتمي في كتابه " كف الرعاع ": ( لم يحفظ عن أحد ولم يرو عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من الأئمة المجتهدين من قال بإباحة المعازف) .
وقد لبس - أولُبِّس على - كثير ممن صنّف في إباحة اللهو والغناء حيث أدخلوا عن هوى أو شبهة مسألة المعازف والموسيقى فيها، ولا علاقة لها فيه.
وقد نظرت في المصنفات التي صنّفت في هذا الباب، فرأيت أن من ذكر الموسيقى فيها لا دليل في كتابه كلّه على شيء من ذلك، وأنه يستدل ببعض الألفاظ التي جاء فيها ذِكر الغناء ، وذلك لا يعدو كونه شعراً وحداءً، ومن نظر إلى أشعار العرب وكتب اللغة وجد ذلك ظاهراً."مستفاد من حكم الغناء للشيخ الطريفي"
أما فرحه برسالة الشوكانى رحمه الله ... فليتك تقلده
فهو من القائلين بالحرمة ... ولكن لما كان منهجك قائم على الإنتقاء بالهوى والتشهي
قلدته فقط فى الطعن على الإجماع ولم تقلده فى القول بالحرمة ... فليتأمل المحبون
أعلم هداك الله .. أن الشوكانى ليس قاضيا على من ذكرت لك من أهل العلم
وليس هو بأعلم ممن نقلوا الإجماع ... فلو كان الخلاف معتبر لما نقل الإجماع هذه الثلة من العلماء والأئمة الأثبات
والأمر كما قال بن تيمية رحمه الله
وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً ، لأن كثيراً من أصول المتأخرين مبتدع في الإسلام ، مسبوق بإجماع السلف على خلافه ، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً .ا.هـ [ الفتاوى 13/26]
وكما قال بن حجر الهيتمى
( ومن حكى خلافاً في الغناء فإنه قد وهِمَ وغَلِط ، وغلب عليه هواه حتى أصمّه وأعماه ) .
أما الأثار التى تنقلها عن السلف فى إباحة هذا المحرم
فلا يصح منها شىء ... ولا يلزمنا منها شىء
وكما ترى ويرى الجميع .. أنت تنقلها بلا خطام وزمام
أين سند كل هذه الأثار يا جهبذ عصرك
وسل أيضا منقوشك أين سند هذه الروايات
بل إرجع إلى من تنقل عنهم من الظاهرية والصوفية ... هل ترى عندهم سند لهذه المرويات ؟
ولو كان الكلام بمجرد الإدعاء .. لقال من شاء ما يشاء
وأزيدك
لو صحت "ودون ذلك خرط القتاد" لا حجة لك ولا لغيرك فيها
فالدين قال الله تعالى قال الرسول صلى الله عليه وسلم
وليس أراء الرجال
شبهة
قالوا : إنه يكفي العامي أن يقلد أحد العلماء في مسائل الشريعة وابن حزم من العلماء ، فلو قلده في مسألة المعازف فلا لوم عليه .
والجواب : أن الله سبحانه وتعالي أمرنا إذا وقع النزاع في مسألة شرعية أن نردها إلى الكتاب والسنة ، قال سبحانه : [ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً][النساء:59] فإن كان المكلف لا يستطيع فهم الأدلة ، وجبَ عليه سؤال أهل العلم لقوله سبحانه: [ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ][النحل:43] فإذا وقع الخلاف بين أهل العلم وجب على المكلف إتباع أعلمهم .
قال الشاطبي - رحمه الله - : العامي جاهل بمواقع الاجتهاد فلا بد له ممن يرشده إلى من هو أقرب إلى الحق ، من هذين العالمين المختَلِفَين ، وذلك إنما يكون بترجيح أحدهما على الآخر بالأعلمية والأفضلية ، لأن الأعلمية تُغلب ظن العامي أن صاحبها أقرب للصواب .ا.هـ [ الاعتصام 2/861/بتصرف يسير ].
ومعنى كلامه : أنه يجب على العامي أن يتبع قول الأعلم من العلماء المختلفين .
وبنحوه قال الخطيب البغدادي حيث قال : إن كان العامي يتسع عقله ويكمل فهمه إذا عُقل أن يعقل ، وإذا فُهم أن يفهم ، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم ، وعن حججهم ، فيأخذ بأرجحها عنده ، فإذا كان عقله يقصر عن هذا ، وفهمه لا يكمل له ، وسعه التقليد لأفضلهما عنده .ا.هـ .
وإنما تكون الأفضلية بالعلم ، وإلا لو جاز للإنسان أن يتبع في كل مسألة من شاء من العلماء ، لاجتمع فيه الشر كله ، لأن زلات العلماء كثيرة ، فمن تتبعها اجتمع فيه دين جديد غير دين الله الذي أنزله لعباده وارتضاه لهم .
وقد نقل ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله الإجماع على المنع من تتبع الرخص والأخذ بما يوافق الهوى والغرض من أقوال العلماء .
وقال ابن القيم : وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتحيز وموافقة الغرض ، فيطلب القول الذي يوافق غرضه فهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر والله المستعان .[ اعلام الموقعين 4/211].
إذا علم ذلك - أعني وجوب الأخذ بقول الأعلم من العلماء - فما الظن يا ترى ؟؟! أصَحَابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان والأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الإسلام الذين يقولون بتحريم المعازف أعلم ؟!
أم ابن حزم وغيره ممن قال بجواز المعازف ؟! اترك الإجابة للقارئ ليتبع بعد ذلك الأعلم من الفريقين .
هامش على الرد الجميل
بيان مخالفة الأستاذ مصطفى للفريقين (المانعين والمجوزين)
أما مخالفته للمانعين فظاهرة
وأما مخالفته للمجوزين
فمنها
1ـ مخالفته لابن حزم (متولى كبر هذا الأمر) عفا الله عنه
فقد قال بن حزم فى المحلي ما نصه
(بعدما ذكر حديث البخاري وحكم عليه بالإنقطاع
(وَوَاللَّهِ لَوْ أُسْنِدَ جَمِيعُهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُ فَأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الأَخْذِ بِهِ.)
ولازم قول بن حزم الذى ألزم به نفسه أن لو صح الحديث لقلت به
ومقولة بن حزم تشبه المقولة التى أطبق عليها الأئمة الأربعة
(إذا صح الحديث فهو مذهبي)
فالحديث عنده .. حجة قاطعة لا تبقى ولا تذر من أراء الرجال شئيا
أما أنت ... فقد تبين لك صحة الحديث وصرحت بذلك مرارا
ولكنك سلكت سبيل لم يسلكه أحد قبلك ... وهو أن الحديث ليس بصريح ... من أين جئت بها ؟ ومن أنت لتحكم على الحديث ؟
2ـ مخالفته للإمام الشوكانى (قائل بالحرمة طاعن فى الإجماع)
لما قلدته فى الطعن بالإجماع ولم تقلده فى القول بالحرمة ؟
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْل ، وَقَدْ أُشْبِعَ الْكَلَام فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي ذَلِكَ الْكِتَاب إِشْبَاعًا حَسَنًا وَقَالَ فِي آخِر كَلَامه : وَإِذَا تَقَرَّرَ جَمِيع مَا حَرَّرْنَاهُ مِنْ حُجَج الْفَرِيقَيْنِ فَلَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِر أَنَّ مَحَلّ النِّزَاع إِذَا خَرَجَ عَنْ دَائِرَة الْحَرَام لَمْ يَخْرُج عَنْ دَائِرَة الِاشْتِبَاه ، وَالْمُؤْمِنُونَ وَقَّافُونَ عِنْد الشُّبُهَات كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيث الصَّحِيح ، وَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ اِسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينه ، وَمَنْ حَامَ حَوْل الْحِمَى يُوشِك أَنْ يَقَع فِيهِ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى ذِكْر الْقُدُود وَالْخُدُود وَالْجَمَال وَالدَّلَّال وَالْهَجْر وَالْوِصَال فَإِنَّ سَامِع مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ بَلِيَّة وَإِنْ كَانَ مِنْ التَّصَلُّب فِي ذَات اللَّه عَلَى حَدٍّ يَقْصُر عَنْهُ الْوَصْف . وَكَمْ لِهَذِهِ الْوَسِيلَة الشَّيْطَانِيَّة مِنْ قَتِيل دَمه مَطْلُول وَأَسِير بِهُمُومِ غَرَامه وَهُيَامه مَكْبُول نَسْأَل اللَّه السَّدَاد وَالثَّبَات .
والحمد لله
مواضيع مماثلة
» حلقة المعازف 2 ـ الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل 8
» حلقة المعازف 3 ـ الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل 9
» حلقة المعازف 4 ـ الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل 10ـ
» حلقة المعازف 5 ـ الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل 11
» حلقة المعازف 1 ـ الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل 7
» حلقة المعازف 3 ـ الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل 9
» حلقة المعازف 4 ـ الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل 10ـ
» حلقة المعازف 5 ـ الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل 11
» حلقة المعازف 1 ـ الرد الجميل على مصطفى حسني بالحجة والدليل 7
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى