رأس الحكمة مخافة الله
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
رأس الحكمة مخافة الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد
لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ،
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول
الشهوات إلى جنات القربات .
الخوف من الله وسام شرف للإنسان :
(( رأس الحكمة مخافة الله )) .
[ رواه البيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفي إسناده ضعف ]
الحكمة سوف نمثلها بإنسان ، أخطر شيء في الإنسان رأسه ، فيه الدماغ ، فيه المحاكمة ، فيه الاستنباط ، فيه الذاكرة ، فيه الإرادة .
والخوف
من الله وسام شرف للإنسان ، من خاف من الله خافه كل شيء ، ومن لم يخف من
الله أخافه الله من كل شيء ، الخوف من الله عزّ وجل ، الخوف من الله أمن ،
نحن أيها الأخوة بالعلاقات ، هناك علاقات ترضية ، وهناك علاقات عكسية ،
مثلاً كلما زاد الملح في الطعام ارتفع الضغط ، فالعلاقة ترضية ، لكن كلما
ابتعدت عن الدنيا اقتربت من الآخرة ، وكلما اقتربت من الآخرة ابتعدت عن
الدنيا ، علاقة عكسية ، لو طبقنا هذه الحقيقة على موضوع الخوف ، الخوف من
الله يعني الأمن وعدم الخوف من الله يعني الخوف ، فلذلك الله عز وجل يقول
:
فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لهم الأمن وهم مهتدون ( سورة الأنعام )
من ازداد خوفاً من الله ازداد قرباً منه :
الحقيقة الأولى :
إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( سورة الحجرات الآية : 13 )
معنى
أتقاكم أشدكم خوفاً من أن تعصوه ، من هو المتقي ؟ الذي يخاف أن يعصي الله
، من هو الفاجر ؟ الذي يعصي ولا يخاف ، مرة طالب قال لي أنا لا أخاف من
الله ، طالب شرد عن الله قلت له : أنت بالذات معك حق ، قال : كيف ؟ قلت له
: الفلاح عندما يأخذ ابنه الصغير إلى الحصيدة ، عمره سنتان يضعه بين القمح
، قد يمر أمامه ثعبان ، طوله اثنا عشر متراً ، لا يخاف منه ، يلمسه ، لأن
إدارك لا يوجد ، خوف لا يوجد ، أنت تخاف من الله بقدر إدراكك ، ولا تخافه
بقدر جهلك ، لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت.
أنا
أحياناً أقول كلمة يظنها السامع نقصاً ، أقول له : أنا ينخلع قلبي عند
الفتوى ، قلت له : أنا ممكن حضر عشرة دروس وأنا مرتاح ، لكن أهون عليّ من
فتوى ضحلة ، لعلي لم أفهم من السائل حدود المشكلة ، أسمح له بشيء هو محرم
، أو أحرم عليه شيء هو حلال ، فلذلك كلما ازددت خوفاً من الله ازددت قرباً
منه و (( رأس الحكمة مخافة الله )) .
سيدنا رسول الله في بيته ، على
السرير تمرة ، قال : يا عائشة لولا أنني أخاف أنها من تمر الصدقة لأكلتها
، أي اشتهى أن يأكلها لكنه خاف أن تكون من تمر الصدقة ، فكلما ازددت خوفاً
من الله ارتفع مقامك عند الله ، وكلما اشتد خوفك من الله ازداد أمنك ، كأن
الله عز وجل لا يجمع على عبده خوفين وأمنين ، إن خافه في الدنيا أمنه يوم
القيامة ، وإن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة .
من ذاق طعم القرب من الله تعالى و سعد به حُجب عن معصية الله عز وجل :
اسمعوا
هذه الكلمة هي والله ملخص الملخص ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخافه في
الدنيا وأن يخيفك من أحد عباده ، احفظوا هذه القاعدة ، مستحيل وألف ألف
مستحيل أن تخافه في الدنيا وأن يخيفك في الدنيا من أحد عباده ، أنت في حصن
حصين ، أنت في عين الله ، أنت في رعايته ، لذلك الله عز وجل يلقي عليك
مهابة يخافك من حولك ، وقد يكون الذي يخافك أقوى منك ، وقد يكون الذي
يخافك أغنى منك ، الإيمان يعطي هيبة :
يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( سورة البقرة )
بالعبادة الآن تذوق طعم القرب ، فإذا ذقت طعم القرب وسعدت بهذا القرب ، تخاف أن تعصيه فيحجب عنك هذا .
من متن علاقته بالله عز و جل خاف من مجافاته:
الآن
هناك معنى جديد بين أن تخاف عقابه وبين أن تخاف الجفوة معه ، لذلك شاب سمع
من شيخه أن لكل معصية عقاباً ، فارتكب معصية صغيرة ، بحسب كلام شيخه هو
ينتظر العقاب من الله ، مضى أسبوع ، صحته ، بيته ، أولاده ، مركبته لا
يوجد شيء ، واقع بجفوة يبدو أن قدمه زلت ، في أثناء المناجاة قال : يا رب
، لقد عصيتك ولم تعاقبني ؟ قال : وقع في قلب هذا الشاب : أن يا عبدي ، قد
عاقبتك ولم تدر ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ ألا تكفي هذه ؟
المؤمن له صلة بالله ، له ود مع الله :
إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا ( سورة مريم )
هذا
الود إذا انقطع هناك مشكلة كبيرة ، أول مرحلة أخاف عقابه ، أخاف بلاءً ،
أخاف مصيبة ، أخاف مرضاً عضالاً ، أخاف فقراً ، أخاف جفوة ، الآن أخاف أن
تنقطع هذه الصلة مع الله ، بالتعبير الدارج بين أن تخاف منه وبين أن تخاف
على حزنه ، أنت عندما تمتن علاقتك مع الله تخاف أن يجافيك ، لذلك :
يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( سورة البقرة )
جوهر العبادة التفات القلب إلى الله تعالى :
الآن أريد حقيقة دقيقة جداً في هذا اللقاء الطيب ، ممكن جوارحك ، أعضاؤك ، أن تنصاع لأمر الله ، ليس هذا هو الهدف :
لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ( سورة الحج )
الله عز وجل يريد قلبك ، يريد قلباً منيباً له ، يريد قلباً مقبلاً عليه ، يريد قلباً خاشعاً له ، يريد قلباً محباً له :
لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ( سورة الحج )
لذلك
حتى العبادة جوهرها التفات القلب إلى الله ، حتى الصيام من أجل أن يتعلق
القلب بالله ، حتى الصلاة من أجل أن يتصل القلب بالله ، فلذلك أن تعبده
بقلب حاضر ، أو بقلب خاشع ، هو سرّ العبادة ، العبادة لها شكل ولها سرّ ،
شكلها أن تقف في الصلاة ، أن تكبر تكبيرة الإحرام ، أن تقرأ الفاتحة وسورة
، أن تركع ، أن تسجد ، إلى آخره ، ولكن الذي ينتظره الله منك أن يلتفت
قلبك له وأن تقبل عليه :
كتب عليكم الصيام كما كتب
على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( سورة البقرة)
تتقون غضبه ، تتقون سخطه ، تتقون عقابه ، تتقون البعد عنه ، تتقون الجفوة معه.
ما ترك عبد شيئا لله إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه:
أيها
الأخوة الكرام ، يقول بعض العلماء : أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف
من الله ، أنا أتصور وأنا متأكد إن شاء الله أن هذه الدنيا لا تصلح إلا
بالخوف من الله ، نحن اخترعنا كلمات ليس لها معنى ، يقول لك : ضمير مسلكي
، ما هو الضمير المسلكي ؟ يترفع عن ألف ليرة ، ألفين ، أما خمسة ملايين
ينهار أمامهم ، أين الضمير المسلكي ؟ انتهى ، أما الخوف من الله والله
سمعت عن سائق وجد في سيارته عشرين مليوناً (قصة طويلة) بحث عن صاحبها
أربعة أيام ، يحوم حول المكان الذي ركب معه ، إلى أن عثر عليه ، أعطاه
العشرين مليوناً ، صاحب هذا المال شهم سأله هذه السيارة لك ؟ قال : لا ،
أنا سائق بالأجرة عليها ، أخذه إلى سوق السيارات واشترى له سيارة بمليوني
ليرة ، لماذا ترك العشرين مليوناً ؟ خوف من الله ، كلما ازددت خوفاً منه
كلما ارتفعت عنده ، كلما أعطاك ، أيها الأخوة ، عندنا قاعدة أنا أتصور أن زوال الكون أهون على الله من ألا تطبق هذه القاعدة :
(( ما ترك عبد شيئاً لله ، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه )) .
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
شيء مغرٍ ، ضغط كبير ، صفقة فيها شبهة ، بضاعة مصادرة رخيصة جداً ، لكنك إذا أيقنت أنها مصادرة ظلماً ينبغي ألا تشتريها :
(( ما ترك عبد شيئاً لله ، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه )) .
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
بأي
مجال ، بالتجارة ، بالزواج ، أي فتاة بارعة الجمال لكن دينها ضعيف جداً
هذا الشاب نظر إلى مستقبل هذه الأسرة ، عنده أولاد ، هذه المرأة الغير
المنضبطة لا تصلح أماً لأولاده ، فاستغنى عنها وقال : حسبي الله ونعم
الوكيل ، هذا الإنسان مستحيل وألف ألف مستحيل أن يخيب ظنه يوفق إلى زوجة
أفضل منها .
الخوف من الله أصل كل خير في الدنيا و الآخرة :
أيها
الأخوة ، أصل كل خير في الدنيا وفي الآخرة الخوف من الله ، بعضهم قال :
قلة الخوف من قلة الحزن في القلب ، وإذا قلّ الحزن في القلب خرب كما يخرب
البيت .
هناك بيت خرب وهناك قلب خرب ، فإذا لم يكن هناك معرفة بالله
، لم يكن هناك خوف من الله ، هناك من يقول الذي لا يخاف الله خف منه ، لما
المؤمن خاف من الله أذهب عنه الحزن :
إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ( سورة الطور )
الآن
بالجنة ، غير المؤمن كان في أهله مسروراً ، كان في الدنيا ببحبوحة ، بيت
وأولاد يرتدون أجمل الثياب ، يقيم أفخر الولائم ، يسافر ، يتبجح ، يتكلم
عن سفرياته ، عن مشاهداته ، عن بيته ، عن ثمن بيته ، عن جمال زوجته ، عن
أولاده النجباء :
إنه كان في أهله مسرورا ( سورة الانشقاق)
أما المؤمن دقق :
وينقلب إلى أهله مسرورا ( سورة الانشقاق)
لذلك
البطولة من يضحك آخراً ، الإنسان يضحك ، هناك من يضحك أولاً وهناك من يضحك
آخراً ، الذي يضحك أولاً يبكي كثيراً ، والذي يضحك آخراً يضحك طويلاً إلى
ما شاء الله :
فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون ( سورة المطففين )
أما الكفار في الدنيا يضحكون من المؤمنين ، بعض الأئمة يقول : الحزن تلقيح العمل الصالح ، أي :
(( إن الله تعالى يحب كل قلب حزين ))
[ رواه الطبراني والحاكم عن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ تصحيح السيوطي : حسن ] .
الحزانى معرضون للرحمة ، الحزانى في كنف الله .
الاستقامة على أمر الله عز وجل نجاة للإنسان في الدنيا و الآخرة :
الإنسان
الله عز وجل أودع فيه الشهوات ، والشهوات التي يراها كلها محرمة ، امرأة
سافرة ، كاسية عارية ، مائلة مميلة ، هو يخاف من الله يبحث عن امرأة صالحة
، مؤمنة ، طاهرة ، محجبة ، تربي أولادها ، قد يتأخر زواجه كثيراً ، عنده
مشكلة ، عنده دافع قوي للزواج و لا يوجد امرأة صالحة يتألم ، صار عنده حزن
، قال الحزانى في كنف الله :
(( إن الله تعالى يحب كل قلب حزين ))
[ رواه الطبراني والحاكم عن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ تصحيح السيوطي : حسن ]
الحزانى معرضون للرحمة ، الحزن تلقيح للعمل الصالح ، لكن بعد أن تحزن ويأتي الفرج تقول : الحمد لله الذي أذهب عني الحزن :
إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ( سورة الطور )
يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الأثر :
ما
من بيت ، إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات ، فإذا رأى أن العبد
قد انقضى أجله ، وانقطع رزقه ، ألقى عليه غم الموت ، فغشيته سكراته ، فمن
أهل البيت الضاربة وجهها ، والصارخة بويلها ، يقول ملك الموت : ممَّ الفزع
؟ وممَّ الجزع ؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقاً ، ولا قربت له أجلاً ، وإنّ لي
فيكم لعودة ، ثم عودة ، حتى لا أبقي منكم أحداً ، فو الذي نفس محمد بيده ،
لو يرون مكانه ، ويسمعون كلامه ، لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم .
سيدنا ابن عباس يقول : سمع أبو بكر يقول يا رسول الله أراك شبت ؟ ولعله شيب مبكر ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( شيبتني هود وأخواتها )) .
[أخرجه البزار في مسنده عن ابن عباس]
هود ، سورة هود ما الذي شيبه من سورة هود ؟ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا .
بعض الصحابة يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء .
مرّ
النبي عليه الصلاة والسلام بإخوانه وهم حول قبر يدفنون رجلاً ، فبدر من
بين أيديهم ثم واجه القبر حتى بلّ الثرى من دموعه ، و قال عليه الصلاة و
السلام : أي أخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا .
والله مرة شيعت جنازة
وعند شفير القبر عندما فتح النعش ، وحمل الميت ، ووضع في القبر ، في
الشتاء برد ومطر وطين ، وضع هذا الميت في القبر ، وضعت البلاطة ، أهيل
التراب عليه ، وانطلق أهله ، انتهى الأمر ، والله الذي لا إله إلا هو ما
وجدت على وجه الأرض إنساناً أعقل ولا أذكى ممن يعد لهذه الساعة التي لابدّ
منها .
مرة قال لي شخص (ظن نفسه حقق نجاحاً كبيراً) : أستاذ لي محضر في
الشعلان هو يساوي أربعمئة مليون أخذناه بمئتين ، ما شاء الله ، كيف ؟ شيء
يلفت النظر ، قال والله في خمسة وسبعين وريثاً له ، عملنا مناقصة شكلية
أحضر سبعة ، ثمانية ، دخلوا بالمناقصة بشكل صوري ، يرفعوا المزاد شيء بسيط
وبيوم سريع الإعلام عنه ضعيف ما جاء أحد ورسا علينا بمئتين وهو يساوي
أربعة ، كأنه رأى نفسه بأعلى درجة من الذكاء ، قلت له من أصحابه ؟ قال
والله عدد كبير ، أكثرهم أيتاماً ، قلت له ماذا تفعل بالقبر ؟ فكر ، قال
والله ما جاءت هذه في بالي ، اعتبر نفسه تاجراً من الطراز الأول ، قلت له
: هذا اليتيم إذا قال يا رب يوم القيامة سله لماذا أكل حقي ؟ بحيلة ،
بمناقصة ، بتمثيلية صورية ، والله وقتها قال لي إذاً ما الحل ؟ قلت له إما
أن تعطي أصحاب هذه الأرض حقهم الكامل ، أو انسحب من المناقصة ، هذا الجواب
.
(( رأس الحكمة مخافة الله )) .
[ رواه البيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفي إسناده ضعف ]
من لم يخف من الله عز وجل ففي إيمانه نقص :
والله
أيها الأخوة ، يستوي عند المؤمن المليار والليرة إذا فيها شبهة ، يركلها
بقدمه ، طبعاً القصص التي أعرفها في هذا الموضوع لا تعد ولا تحصى ، إنسان
خاف من الله فركل هذه الصفقة بقدمه وقال معاذ الله :
(( ما ترك عبد شيئاً لله ، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه )) .
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
الله عز وجل قال :
إن إبراهيم لحليم أواه منيب ( سورة هود )
مضطر
أن أتكلم ؛ الأطفال الآن يموتون بغزة لأن كهرباء لا يوجد ، هناك حاضنات ،
هناك أطفال على المنفسة ، لا يوجد خبز ، لا يوجد أكل والعالم كله يتفرج ،
شيء مؤلم جداً ، والله الذي لا إله إلا هو ما من قطرة دم ، وما من طفل
يموت جوعاً ، وما من مريض يموت بسبب انقطاع الكهرباء ، إلا حمل هذا الذنب
يوم القيامة إنسان ، يا رب سله لما قتلني ؟
والله أيها الأخوة إذا لم
تبكِ مع هذه الأخبار هناك نقص بإيمانك ، ادعُ لهم الله يحفظهم ، إن استطعت
أن تساعدهم فساعدهم ، لم تستطع ادعُ لهم ، أقل شيء تألم ، لكن لا علاقة
لنا ، مسلمون يموتون من الجوع ، هناك فندق حفل افتتاحه كلف مئة مليون
دولار ، قبل أيام ، الليلة فيه بتسعة وعشرين ألف دولار ، اذهبوا واجلسوا
عشرة أيام ، أناس يبذخون بذخاً يفوق حدّ الخيال ، وأناس يحتاجون إلى منفسة
مع الكهرباء ، ويموتون من الجوع ، هذه أمة ؟ والله ما آمن ، والله ما آمن
، والله ما آمن ، من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم ؟
( سورة إبراهيم )
العالم كله متفرج .
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ :
أيها
الأخوة الكرام ، جاءتني فكرة ؛ رئيس دولة عظمى في العالم بلقاء يقول : قبل
أعوام مات أو قتل بجنوب إفريقيا بدولة اسمها رواندا ثمانمئة ألف ، يقول
هذا الرئيس الأمريكي : كان بإمكاني أن أنقذ حياة أربعمئة ألف لكن ما تدخلت
. لأنه لا يوجد نفط ، أما على شبهة سلاح شمولي ، ثلاثون دولة احتلت العراق
على شبهة غير صحيحة ، أما أربعمئة ألف ؟! لكن قال كان بإمكاني أن أنقذ
حياة أربعمئة ألف لكن ما تدخلت :
ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ( سورة إبراهيم )
(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً )) .
[ ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه ]
إن إبراهيم لحليم أواه منيب ( سورة هود )
رأس الحكمة مخافة الله :
سيدنا عمر كان يقرأ في سورة الطور فلما وصل إلى قوله تعالى : إن عذاب ربك لواقع بكى واشتد بكاءه حتى مرض وعاده أصحابه .
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ( سورة الحجر )
سيدنا
عمر يقول لابنه وهو على فراش الموت ويحك ضع خدي على الأرض عسى الله أن
يرحمني ، ثم قال : يا ويل أمي إن لم يغفر لي ربي ثم قضى .
سيدنا عثمان
كان إذا وقف على قبر يبكي حتى تبتل لحيته وقال : لو أنني بين الجنة والنار
لا أدري إلى أيهما يؤمر بي ، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيهما
أصير .
أبو الدرداء قال : إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي يا أبا الدرداء قد علمت فما عملت فيما علمت ؟
وكان
يقول لو تعلمون ما أنتم تلقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً عن شهوة ، ولا
دخلتم بيتاً تستظلون فيه ، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم ، وتبكون على
أنفسكم .
وسيدنا تميم الداري كان يقرأ القرآن فوصل إلى قوله تعالى : أم
حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء
محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون .
سيدنا عمر بن عبد العزيز كان يصلي دخلت
عليه فاطمة بنت عبد الملك زوجته رأته يبكي ، قالت : ما لي أراك باكياً ؟
قال : دعيني وشأني ، فلما ألحّت عليه قال : ويحك يا فاطمة ، إني قد وليتُ
أمر هذه الأمة ، ففكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري
المجهول ، واليتيم المكسور ، والمظلوم
المقهور ، والغريب ،
والأسير ، والشيخ الكبير ، والأرملة الوحيدة ، وذي العيال الكثير والرزق
القليل ، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً ، وأن خصمي دونهم رسول الله ،
فخفت ألا تثبت حجتي ، فلهذا أبكي .
من موسوعة النابلسي حقائق الإيمان والإعجاز
الحمد
لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ،
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول
الشهوات إلى جنات القربات .
الخوف من الله وسام شرف للإنسان :
(( رأس الحكمة مخافة الله )) .
[ رواه البيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفي إسناده ضعف ]
الحكمة سوف نمثلها بإنسان ، أخطر شيء في الإنسان رأسه ، فيه الدماغ ، فيه المحاكمة ، فيه الاستنباط ، فيه الذاكرة ، فيه الإرادة .
والخوف
من الله وسام شرف للإنسان ، من خاف من الله خافه كل شيء ، ومن لم يخف من
الله أخافه الله من كل شيء ، الخوف من الله عزّ وجل ، الخوف من الله أمن ،
نحن أيها الأخوة بالعلاقات ، هناك علاقات ترضية ، وهناك علاقات عكسية ،
مثلاً كلما زاد الملح في الطعام ارتفع الضغط ، فالعلاقة ترضية ، لكن كلما
ابتعدت عن الدنيا اقتربت من الآخرة ، وكلما اقتربت من الآخرة ابتعدت عن
الدنيا ، علاقة عكسية ، لو طبقنا هذه الحقيقة على موضوع الخوف ، الخوف من
الله يعني الأمن وعدم الخوف من الله يعني الخوف ، فلذلك الله عز وجل يقول
:
فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لهم الأمن وهم مهتدون ( سورة الأنعام )
من ازداد خوفاً من الله ازداد قرباً منه :
الحقيقة الأولى :
إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( سورة الحجرات الآية : 13 )
معنى
أتقاكم أشدكم خوفاً من أن تعصوه ، من هو المتقي ؟ الذي يخاف أن يعصي الله
، من هو الفاجر ؟ الذي يعصي ولا يخاف ، مرة طالب قال لي أنا لا أخاف من
الله ، طالب شرد عن الله قلت له : أنت بالذات معك حق ، قال : كيف ؟ قلت له
: الفلاح عندما يأخذ ابنه الصغير إلى الحصيدة ، عمره سنتان يضعه بين القمح
، قد يمر أمامه ثعبان ، طوله اثنا عشر متراً ، لا يخاف منه ، يلمسه ، لأن
إدارك لا يوجد ، خوف لا يوجد ، أنت تخاف من الله بقدر إدراكك ، ولا تخافه
بقدر جهلك ، لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت.
أنا
أحياناً أقول كلمة يظنها السامع نقصاً ، أقول له : أنا ينخلع قلبي عند
الفتوى ، قلت له : أنا ممكن حضر عشرة دروس وأنا مرتاح ، لكن أهون عليّ من
فتوى ضحلة ، لعلي لم أفهم من السائل حدود المشكلة ، أسمح له بشيء هو محرم
، أو أحرم عليه شيء هو حلال ، فلذلك كلما ازددت خوفاً من الله ازددت قرباً
منه و (( رأس الحكمة مخافة الله )) .
سيدنا رسول الله في بيته ، على
السرير تمرة ، قال : يا عائشة لولا أنني أخاف أنها من تمر الصدقة لأكلتها
، أي اشتهى أن يأكلها لكنه خاف أن تكون من تمر الصدقة ، فكلما ازددت خوفاً
من الله ارتفع مقامك عند الله ، وكلما اشتد خوفك من الله ازداد أمنك ، كأن
الله عز وجل لا يجمع على عبده خوفين وأمنين ، إن خافه في الدنيا أمنه يوم
القيامة ، وإن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة .
من ذاق طعم القرب من الله تعالى و سعد به حُجب عن معصية الله عز وجل :
اسمعوا
هذه الكلمة هي والله ملخص الملخص ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخافه في
الدنيا وأن يخيفك من أحد عباده ، احفظوا هذه القاعدة ، مستحيل وألف ألف
مستحيل أن تخافه في الدنيا وأن يخيفك في الدنيا من أحد عباده ، أنت في حصن
حصين ، أنت في عين الله ، أنت في رعايته ، لذلك الله عز وجل يلقي عليك
مهابة يخافك من حولك ، وقد يكون الذي يخافك أقوى منك ، وقد يكون الذي
يخافك أغنى منك ، الإيمان يعطي هيبة :
يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( سورة البقرة )
بالعبادة الآن تذوق طعم القرب ، فإذا ذقت طعم القرب وسعدت بهذا القرب ، تخاف أن تعصيه فيحجب عنك هذا .
من متن علاقته بالله عز و جل خاف من مجافاته:
الآن
هناك معنى جديد بين أن تخاف عقابه وبين أن تخاف الجفوة معه ، لذلك شاب سمع
من شيخه أن لكل معصية عقاباً ، فارتكب معصية صغيرة ، بحسب كلام شيخه هو
ينتظر العقاب من الله ، مضى أسبوع ، صحته ، بيته ، أولاده ، مركبته لا
يوجد شيء ، واقع بجفوة يبدو أن قدمه زلت ، في أثناء المناجاة قال : يا رب
، لقد عصيتك ولم تعاقبني ؟ قال : وقع في قلب هذا الشاب : أن يا عبدي ، قد
عاقبتك ولم تدر ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ ألا تكفي هذه ؟
المؤمن له صلة بالله ، له ود مع الله :
إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا ( سورة مريم )
هذا
الود إذا انقطع هناك مشكلة كبيرة ، أول مرحلة أخاف عقابه ، أخاف بلاءً ،
أخاف مصيبة ، أخاف مرضاً عضالاً ، أخاف فقراً ، أخاف جفوة ، الآن أخاف أن
تنقطع هذه الصلة مع الله ، بالتعبير الدارج بين أن تخاف منه وبين أن تخاف
على حزنه ، أنت عندما تمتن علاقتك مع الله تخاف أن يجافيك ، لذلك :
يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( سورة البقرة )
جوهر العبادة التفات القلب إلى الله تعالى :
الآن أريد حقيقة دقيقة جداً في هذا اللقاء الطيب ، ممكن جوارحك ، أعضاؤك ، أن تنصاع لأمر الله ، ليس هذا هو الهدف :
لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ( سورة الحج )
الله عز وجل يريد قلبك ، يريد قلباً منيباً له ، يريد قلباً مقبلاً عليه ، يريد قلباً خاشعاً له ، يريد قلباً محباً له :
لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ( سورة الحج )
لذلك
حتى العبادة جوهرها التفات القلب إلى الله ، حتى الصيام من أجل أن يتعلق
القلب بالله ، حتى الصلاة من أجل أن يتصل القلب بالله ، فلذلك أن تعبده
بقلب حاضر ، أو بقلب خاشع ، هو سرّ العبادة ، العبادة لها شكل ولها سرّ ،
شكلها أن تقف في الصلاة ، أن تكبر تكبيرة الإحرام ، أن تقرأ الفاتحة وسورة
، أن تركع ، أن تسجد ، إلى آخره ، ولكن الذي ينتظره الله منك أن يلتفت
قلبك له وأن تقبل عليه :
كتب عليكم الصيام كما كتب
على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( سورة البقرة)
تتقون غضبه ، تتقون سخطه ، تتقون عقابه ، تتقون البعد عنه ، تتقون الجفوة معه.
ما ترك عبد شيئا لله إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه:
أيها
الأخوة الكرام ، يقول بعض العلماء : أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف
من الله ، أنا أتصور وأنا متأكد إن شاء الله أن هذه الدنيا لا تصلح إلا
بالخوف من الله ، نحن اخترعنا كلمات ليس لها معنى ، يقول لك : ضمير مسلكي
، ما هو الضمير المسلكي ؟ يترفع عن ألف ليرة ، ألفين ، أما خمسة ملايين
ينهار أمامهم ، أين الضمير المسلكي ؟ انتهى ، أما الخوف من الله والله
سمعت عن سائق وجد في سيارته عشرين مليوناً (قصة طويلة) بحث عن صاحبها
أربعة أيام ، يحوم حول المكان الذي ركب معه ، إلى أن عثر عليه ، أعطاه
العشرين مليوناً ، صاحب هذا المال شهم سأله هذه السيارة لك ؟ قال : لا ،
أنا سائق بالأجرة عليها ، أخذه إلى سوق السيارات واشترى له سيارة بمليوني
ليرة ، لماذا ترك العشرين مليوناً ؟ خوف من الله ، كلما ازددت خوفاً منه
كلما ارتفعت عنده ، كلما أعطاك ، أيها الأخوة ، عندنا قاعدة أنا أتصور أن زوال الكون أهون على الله من ألا تطبق هذه القاعدة :
(( ما ترك عبد شيئاً لله ، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه )) .
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
شيء مغرٍ ، ضغط كبير ، صفقة فيها شبهة ، بضاعة مصادرة رخيصة جداً ، لكنك إذا أيقنت أنها مصادرة ظلماً ينبغي ألا تشتريها :
(( ما ترك عبد شيئاً لله ، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه )) .
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
بأي
مجال ، بالتجارة ، بالزواج ، أي فتاة بارعة الجمال لكن دينها ضعيف جداً
هذا الشاب نظر إلى مستقبل هذه الأسرة ، عنده أولاد ، هذه المرأة الغير
المنضبطة لا تصلح أماً لأولاده ، فاستغنى عنها وقال : حسبي الله ونعم
الوكيل ، هذا الإنسان مستحيل وألف ألف مستحيل أن يخيب ظنه يوفق إلى زوجة
أفضل منها .
الخوف من الله أصل كل خير في الدنيا و الآخرة :
أيها
الأخوة ، أصل كل خير في الدنيا وفي الآخرة الخوف من الله ، بعضهم قال :
قلة الخوف من قلة الحزن في القلب ، وإذا قلّ الحزن في القلب خرب كما يخرب
البيت .
هناك بيت خرب وهناك قلب خرب ، فإذا لم يكن هناك معرفة بالله
، لم يكن هناك خوف من الله ، هناك من يقول الذي لا يخاف الله خف منه ، لما
المؤمن خاف من الله أذهب عنه الحزن :
إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ( سورة الطور )
الآن
بالجنة ، غير المؤمن كان في أهله مسروراً ، كان في الدنيا ببحبوحة ، بيت
وأولاد يرتدون أجمل الثياب ، يقيم أفخر الولائم ، يسافر ، يتبجح ، يتكلم
عن سفرياته ، عن مشاهداته ، عن بيته ، عن ثمن بيته ، عن جمال زوجته ، عن
أولاده النجباء :
إنه كان في أهله مسرورا ( سورة الانشقاق)
أما المؤمن دقق :
وينقلب إلى أهله مسرورا ( سورة الانشقاق)
لذلك
البطولة من يضحك آخراً ، الإنسان يضحك ، هناك من يضحك أولاً وهناك من يضحك
آخراً ، الذي يضحك أولاً يبكي كثيراً ، والذي يضحك آخراً يضحك طويلاً إلى
ما شاء الله :
فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون ( سورة المطففين )
أما الكفار في الدنيا يضحكون من المؤمنين ، بعض الأئمة يقول : الحزن تلقيح العمل الصالح ، أي :
(( إن الله تعالى يحب كل قلب حزين ))
[ رواه الطبراني والحاكم عن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ تصحيح السيوطي : حسن ] .
الحزانى معرضون للرحمة ، الحزانى في كنف الله .
الاستقامة على أمر الله عز وجل نجاة للإنسان في الدنيا و الآخرة :
الإنسان
الله عز وجل أودع فيه الشهوات ، والشهوات التي يراها كلها محرمة ، امرأة
سافرة ، كاسية عارية ، مائلة مميلة ، هو يخاف من الله يبحث عن امرأة صالحة
، مؤمنة ، طاهرة ، محجبة ، تربي أولادها ، قد يتأخر زواجه كثيراً ، عنده
مشكلة ، عنده دافع قوي للزواج و لا يوجد امرأة صالحة يتألم ، صار عنده حزن
، قال الحزانى في كنف الله :
(( إن الله تعالى يحب كل قلب حزين ))
[ رواه الطبراني والحاكم عن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ تصحيح السيوطي : حسن ]
الحزانى معرضون للرحمة ، الحزن تلقيح للعمل الصالح ، لكن بعد أن تحزن ويأتي الفرج تقول : الحمد لله الذي أذهب عني الحزن :
إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ( سورة الطور )
يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الأثر :
ما
من بيت ، إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات ، فإذا رأى أن العبد
قد انقضى أجله ، وانقطع رزقه ، ألقى عليه غم الموت ، فغشيته سكراته ، فمن
أهل البيت الضاربة وجهها ، والصارخة بويلها ، يقول ملك الموت : ممَّ الفزع
؟ وممَّ الجزع ؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقاً ، ولا قربت له أجلاً ، وإنّ لي
فيكم لعودة ، ثم عودة ، حتى لا أبقي منكم أحداً ، فو الذي نفس محمد بيده ،
لو يرون مكانه ، ويسمعون كلامه ، لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم .
سيدنا ابن عباس يقول : سمع أبو بكر يقول يا رسول الله أراك شبت ؟ ولعله شيب مبكر ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( شيبتني هود وأخواتها )) .
[أخرجه البزار في مسنده عن ابن عباس]
هود ، سورة هود ما الذي شيبه من سورة هود ؟ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا .
بعض الصحابة يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء .
مرّ
النبي عليه الصلاة والسلام بإخوانه وهم حول قبر يدفنون رجلاً ، فبدر من
بين أيديهم ثم واجه القبر حتى بلّ الثرى من دموعه ، و قال عليه الصلاة و
السلام : أي أخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا .
والله مرة شيعت جنازة
وعند شفير القبر عندما فتح النعش ، وحمل الميت ، ووضع في القبر ، في
الشتاء برد ومطر وطين ، وضع هذا الميت في القبر ، وضعت البلاطة ، أهيل
التراب عليه ، وانطلق أهله ، انتهى الأمر ، والله الذي لا إله إلا هو ما
وجدت على وجه الأرض إنساناً أعقل ولا أذكى ممن يعد لهذه الساعة التي لابدّ
منها .
مرة قال لي شخص (ظن نفسه حقق نجاحاً كبيراً) : أستاذ لي محضر في
الشعلان هو يساوي أربعمئة مليون أخذناه بمئتين ، ما شاء الله ، كيف ؟ شيء
يلفت النظر ، قال والله في خمسة وسبعين وريثاً له ، عملنا مناقصة شكلية
أحضر سبعة ، ثمانية ، دخلوا بالمناقصة بشكل صوري ، يرفعوا المزاد شيء بسيط
وبيوم سريع الإعلام عنه ضعيف ما جاء أحد ورسا علينا بمئتين وهو يساوي
أربعة ، كأنه رأى نفسه بأعلى درجة من الذكاء ، قلت له من أصحابه ؟ قال
والله عدد كبير ، أكثرهم أيتاماً ، قلت له ماذا تفعل بالقبر ؟ فكر ، قال
والله ما جاءت هذه في بالي ، اعتبر نفسه تاجراً من الطراز الأول ، قلت له
: هذا اليتيم إذا قال يا رب يوم القيامة سله لماذا أكل حقي ؟ بحيلة ،
بمناقصة ، بتمثيلية صورية ، والله وقتها قال لي إذاً ما الحل ؟ قلت له إما
أن تعطي أصحاب هذه الأرض حقهم الكامل ، أو انسحب من المناقصة ، هذا الجواب
.
(( رأس الحكمة مخافة الله )) .
[ رواه البيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفي إسناده ضعف ]
من لم يخف من الله عز وجل ففي إيمانه نقص :
والله
أيها الأخوة ، يستوي عند المؤمن المليار والليرة إذا فيها شبهة ، يركلها
بقدمه ، طبعاً القصص التي أعرفها في هذا الموضوع لا تعد ولا تحصى ، إنسان
خاف من الله فركل هذه الصفقة بقدمه وقال معاذ الله :
(( ما ترك عبد شيئاً لله ، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه )) .
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
الله عز وجل قال :
إن إبراهيم لحليم أواه منيب ( سورة هود )
مضطر
أن أتكلم ؛ الأطفال الآن يموتون بغزة لأن كهرباء لا يوجد ، هناك حاضنات ،
هناك أطفال على المنفسة ، لا يوجد خبز ، لا يوجد أكل والعالم كله يتفرج ،
شيء مؤلم جداً ، والله الذي لا إله إلا هو ما من قطرة دم ، وما من طفل
يموت جوعاً ، وما من مريض يموت بسبب انقطاع الكهرباء ، إلا حمل هذا الذنب
يوم القيامة إنسان ، يا رب سله لما قتلني ؟
والله أيها الأخوة إذا لم
تبكِ مع هذه الأخبار هناك نقص بإيمانك ، ادعُ لهم الله يحفظهم ، إن استطعت
أن تساعدهم فساعدهم ، لم تستطع ادعُ لهم ، أقل شيء تألم ، لكن لا علاقة
لنا ، مسلمون يموتون من الجوع ، هناك فندق حفل افتتاحه كلف مئة مليون
دولار ، قبل أيام ، الليلة فيه بتسعة وعشرين ألف دولار ، اذهبوا واجلسوا
عشرة أيام ، أناس يبذخون بذخاً يفوق حدّ الخيال ، وأناس يحتاجون إلى منفسة
مع الكهرباء ، ويموتون من الجوع ، هذه أمة ؟ والله ما آمن ، والله ما آمن
، والله ما آمن ، من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم ؟
( سورة إبراهيم )
العالم كله متفرج .
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ :
أيها
الأخوة الكرام ، جاءتني فكرة ؛ رئيس دولة عظمى في العالم بلقاء يقول : قبل
أعوام مات أو قتل بجنوب إفريقيا بدولة اسمها رواندا ثمانمئة ألف ، يقول
هذا الرئيس الأمريكي : كان بإمكاني أن أنقذ حياة أربعمئة ألف لكن ما تدخلت
. لأنه لا يوجد نفط ، أما على شبهة سلاح شمولي ، ثلاثون دولة احتلت العراق
على شبهة غير صحيحة ، أما أربعمئة ألف ؟! لكن قال كان بإمكاني أن أنقذ
حياة أربعمئة ألف لكن ما تدخلت :
ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ( سورة إبراهيم )
(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً )) .
[ ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه ]
إن إبراهيم لحليم أواه منيب ( سورة هود )
رأس الحكمة مخافة الله :
سيدنا عمر كان يقرأ في سورة الطور فلما وصل إلى قوله تعالى : إن عذاب ربك لواقع بكى واشتد بكاءه حتى مرض وعاده أصحابه .
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ( سورة الحجر )
سيدنا
عمر يقول لابنه وهو على فراش الموت ويحك ضع خدي على الأرض عسى الله أن
يرحمني ، ثم قال : يا ويل أمي إن لم يغفر لي ربي ثم قضى .
سيدنا عثمان
كان إذا وقف على قبر يبكي حتى تبتل لحيته وقال : لو أنني بين الجنة والنار
لا أدري إلى أيهما يؤمر بي ، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيهما
أصير .
أبو الدرداء قال : إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي يا أبا الدرداء قد علمت فما عملت فيما علمت ؟
وكان
يقول لو تعلمون ما أنتم تلقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً عن شهوة ، ولا
دخلتم بيتاً تستظلون فيه ، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم ، وتبكون على
أنفسكم .
وسيدنا تميم الداري كان يقرأ القرآن فوصل إلى قوله تعالى : أم
حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء
محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون .
سيدنا عمر بن عبد العزيز كان يصلي دخلت
عليه فاطمة بنت عبد الملك زوجته رأته يبكي ، قالت : ما لي أراك باكياً ؟
قال : دعيني وشأني ، فلما ألحّت عليه قال : ويحك يا فاطمة ، إني قد وليتُ
أمر هذه الأمة ، ففكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري
المجهول ، واليتيم المكسور ، والمظلوم
المقهور ، والغريب ،
والأسير ، والشيخ الكبير ، والأرملة الوحيدة ، وذي العيال الكثير والرزق
القليل ، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً ، وأن خصمي دونهم رسول الله ،
فخفت ألا تثبت حجتي ، فلهذا أبكي .
من موسوعة النابلسي حقائق الإيمان والإعجاز
عدل سابقا من قبل رشيدة في السبت 5 يونيو - 19:02 عدل 1 مرات
رد: رأس الحكمة مخافة الله
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك
موضوع جميل و منظم فقط لو إختصرت كان جيدا لكي لا يمل القارء من القراءة
ننتظر إبداعك
موضوع جميل و منظم فقط لو إختصرت كان جيدا لكي لا يمل القارء من القراءة
ننتظر إبداعك
مواضيع مماثلة
» مخافة الله
» كلمة رئيس قناة الحكمة عن سبب إغلاق قناة الحكمة
» كتاب الإيمان - باب (52) مخافة المؤمن أن يحبط عمله ( ياسر برهامي)
» الحكمة من خلق الإنسان
» حصاد الحكمة مع الشيخ أبي إسحاق الحويني
» كلمة رئيس قناة الحكمة عن سبب إغلاق قناة الحكمة
» كتاب الإيمان - باب (52) مخافة المؤمن أن يحبط عمله ( ياسر برهامي)
» الحكمة من خلق الإنسان
» حصاد الحكمة مع الشيخ أبي إسحاق الحويني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى