سلسلة الأربعون النووية الحديث الحادي والأربعون : علامة الإيمان
صفحة 1 من اصل 1
سلسلة الأربعون النووية الحديث الحادي والأربعون : علامة الإيمان
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله الذي جمع قلوب أهل حبه على طاعته.. وأورثهم من الخيرات ما نالوا به كرامته..
أحمده سبحانه فهو الذي جعل محبتة إلى جنته سبيلاً..
وأبغض العصاة وأورثهم حزناً طويلاً..
وسبحان من نوع المحبة بين محبة الرحمن.. ومحبة الأوثان.. ومحبة النسوان والصبيان.. ومحبة الألحان.. ومحبة القرآن..
والصلاة والسلام..
أما بعد أيها الأخوة والأخوات
يسر أخوكم الساجد لله أن يقدم لكم
سلسلة الأربعون النووية
الحديث الحادي والأربعون : علامة الإيمان
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) ، حديث صحيح ، رُويناه في كتاب الحجّة بإسناد صحيح .
.
الشرح
من أعظم المباديء التي حرص الإسلام على ترسيخها في النفوس المؤمنة ، الانقياد لأحكام الشرع وتعاليمه ، بحيث تصبح أقوال الإنسان وأفعاله صادرة عن الشرع ، مرتبطة بأحكامه ، وحينئذٍ تتكامل جوانب الإيمان في وجدانه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي معنا : ( لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) .
ولهذا الحديث مدلوله في بيان ضرورة التزام منهج الله تعالى ، والإذعان لأحكامه وشرائعه ، فإن المؤمن إذا رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، حمله ذلك على أن يحكّم شرع الله في حياته ، فيحل حلاله ، ويحرم حرامه ، ويحب ما دعا إليه ، ويبغض ما نهى عنه ، ولا يجد في ذلك ضيقا أو تبرما ، بل إننا نقول : لا يعد إيمان العبد صادقا حتى يكون على مثل هذه الحالة من الانقياد ظاهرا وباطنا ، والتسليم التام لحكم الله ورسوله ، كما دلّ عليه قوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } ( النساء : 56 ) .
وهذا يقتضي من العبد أن يحب الله ورسوله فوق كل شيء ، ويقدّم أمرهما على كل أمر ،كما قال تعالى : { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } ( التوبة : 24 ) .
ولسنا نريد بهذه المحبة مجرد كلمات تقال ، أو شعارات ترفع ، لا تثمر عملا ولا انقيادا ، فإن لكل محبة دليلا ، ودليل صدق المحبة موافقة المحبوب في مراده ، وعدم إتيان ما يكرهه أويبغضه ، وإلا فهي دعاوى لا حقيقة لها ، وقد قال العلماء : " كل من ادّعى محبة الله ، ولم يوافق الله في أمره ، فدعواه باطلة " .
وإنك لتقرأ في سير الصحابة الكرام ومن بعدهم ، فتعتريك الدهشة حين تجد منهم الامتثال الفوري للدين ، دون تأخير أو إبطاء ، واستمع إلى أنس رضي الله عنه وهو يصف لنا مشهدا من غزوة خيبر فيقول : " أصبنا حمرا فطبخناها ، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر ، فإنها رجس ، فأكفئت القدور بما فيها ، وإنها لتفور باللحم " ، وقريبٌ من ذلك ما ذكر في يوم تحريم الخمر ، إذ امتلأت طرق المدينة بالخمور المراقة على الأرض ، هذا مع شدة حبهم لها ، وتعلقهم بها منذ الجاهلية ، ولكنهم – رضي الله عنهم – قدموا رضا الله فوق كل شيء ، ولم يتقاعسوا عن طاعته طرفة عين .
وكفى بهذا الانقياد ثمرة أن يجد المرء في قلبه حلاوة الإيمان ولذته ، فقد روى البخاري و مسلمعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : - وذكر منها – أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ) .
وإذا عدنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) لعلمنا أن الغاية المطلوبة هي إخضاع رغبات النفس ومرادها لأوامر الشرع ، وليس المراد أن يحصل التوافق التام بين رغباتها وبين مراد الشارع ، فإن ذلك في الحقيقة أمر عسير ، إذ النفس مفطورة على اتباع الهوى ، والأمر بالسوء ، فجاء الحديث ليبيّن أن اكتمال الإيمان مرهون بالانقياد للشرع ، ولم يعلّق كمال الإيمان على تغيير طبيعة النفس ، المجبولة على حب المعاصي والشهوات إلا من رحم الله .
ومن هنا ندرك أن مخالفة الهوى تتطلّب همّة عالية ، وعزيمة صادقة ، فلا عجب أن يكون جهاد النفس من أفضل الجهاد عند الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه ) رواه ابن النجار وصحّحه الألباني .
بقي أن نشير إلى أن هذا الحديث قد اختلف العلماء في صحّته ، فالإمام النووي – كما هو ظاهر في المتن – يصحّح الحديث ، وتبعه على ذلك الحافظ أبو نعيم وغيرهما ، كما وثّق الحافظ ابن حجر العسقلاني رجال السند ، في حين أن الحافظ ابن رجب قد حكم على الحديث بالضعف ، وذلك لضعف أحد رواته .
بيد أن المعنى الذي جاء به هذا الحديث له أصل في الشريعة ، وقد أشارت نصوص الكتاب والسنة إليها – كما بينا ذلك من خلال المقال - ، والله الموفق .
المصدر موقع رسول الله
الساجد لله- نائب المدير
-
عدد المساهمات : 566
نقاط : 7060
تاريخ التسجيل : 13/11/2010
العمر : 39
الدولة : المغرب
مواضيع مماثلة
» سلسلة الأربعون النووية الحديث الحادي عشر التورع عن الشبهات
» سلسلة الأربعون النووية الحديث الحادي والثلاثون : الزهد الحقيقي
» سلسلة الأربعون النووية الحديث الحادي والعشرون قل آمنت بالله ثم استقم
» سلسلة الأربعون النووية الحديث الثالث عشر كمال الإيمان
» سلسلة الأربعون النووية الحديث العشرون : الحياء من الإيمان
» سلسلة الأربعون النووية الحديث الحادي والثلاثون : الزهد الحقيقي
» سلسلة الأربعون النووية الحديث الحادي والعشرون قل آمنت بالله ثم استقم
» سلسلة الأربعون النووية الحديث الثالث عشر كمال الإيمان
» سلسلة الأربعون النووية الحديث العشرون : الحياء من الإيمان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى